التغيرات المناخية

تمثل التغيرات المناخية عنصرا كبيرا في التأثير على جدوى واستدامة مشروعات التنمية، خصوصا في المنطقة العربية، حيث تتواجد العوامل الأساسية التي تؤثر في مناخ المنطقة العربية في نطاق خط العرض شبه المداري شمالاً، والذي يتأثر مناخه بأربعة من مراكز الضغط الجوي الدائمة، إضافة إلى أثنين من المراكز الموسمية، وهو ما يجعل جزء كبير من البلاد العربية تتأثر بالظروف المناخية المدارية صيفا، فتهب الرياح الموسمية على جنوب الوطن العربي جالبة معها الأمطار الصيفية في الجزء الجنوبي من الوطن العربي. ويمتد تأثير هذا المناخ من موريتانيا حتى السودان مرورا بجنوب الجزائر وليبيا، في حين يتغير اتجاهه، وكذلك موقعه في الكتل الأرضية القارية بقارتي أفريقيا وآسيا. وتجعل هذه العوامل المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم حرارةً وسطوعاً للشمس، وتنخفض فيها معدلات الرطوبة انخفاضاً كبيراً، فقد تمر سنوات عدة دون سقوط لأي أمطار تذكر، باستثناء بعض المناطق بالشام والعراق والسودان وساحل البحر المتوسط، وعندما تسقط الأمطار فإنها تكون عادة في صورة انهمار قصير الزمن ومدمر أحياناً.

 

أرتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض خلال المائة عام الماضية بحوالي 0.74 درجة مئوية، وارتفعت أيضًا حدة وتواتر التهاطل والموجات الحارة على معظم مناطق اليابسة، كذلك ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 17 سم خلال نفس الفترة، وازداد تواتر الليالي الدافئة بين عامي 1960 و2015، وصاحبها انخفاض في تواتر الليالي الباردة. وكان للجفاف المستمر أبلغ الأثر على الإنتاج الزراعي في مناطق كثيرة، كما حدث في سوريا خلال موسمي 2000/1999 و2008/2007، والذي أدى إلى انخفاض في إنتاج الحبوب. وكان من بين الـ 20 سنة الماضية (1995-2015) ثمانية عشرة سنة تعتبر ضمن أشد السنوات دفئاً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في 1850. كذلك ارتفعت مستويات البحار في أنحاء العالم بطريقة تتسق مع هذا الدفء، كما أظهرت بيانات الأقمار الصناعية المسجلة منذ سنة 1978 تقلص نطاق جليد بحر القطب الشمالي بنسبة 2.7 % خلال كل عقد، مع زيادة التقلص في فصل الصيف، وانحسرت القمم الجليدية ومتوسط الغطاء الثلجي في نصفي الكرة الأرضية.

 

وكنتيجة للتغيرات المناخية، من المتوقع بحلول عام 2100، حدوث ارتفاع في متوسط درجة الحرارة قدره ثلاث درجات مئوية عالميا، وارتفاع سطح البحر بمقدار 18-58 سم، وبحلول عام 2050، ستواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاض بنسبة 20% في غلة محصول القمح و30% للأرز و47% للذرة، وسيتغير شكل الهلال الخصيب عن شكله الحالي، وسينخفض التصريف السنوي لنهر الفرات بصورة ملحوظة (29-73%) كذلك سيتغير تدفق مجرى نهر الأردن، ونهر النيل ليس ببعيد عن تلك التغيرات حيث سيتأثر إيراده بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 14%. إضافة إلى أن سواحل المنطقة العربية تبدي قابلية تأثر عالية بارتفاع منسوب سطح البحر؛ وحلت بعض الأماكن من المنطقة العربية مثل دلتا نهر النيل في المرتبة الثانية من حيث أعلى سكان المناطق الساحلية تضرراً، وفي المرتبة الثالثة من حيث أعلى ناتج محلي إجمالي ساحلي تضرراً، وفي المرتبة الخامسة من حيث أكبر جزء من المناطق الحضرية تضرراً. وقد يتأثر ما يقرب من 15% (2,7 مليون نسمة) من سكان المناطق الساحلية بزيادة 10% في المعدل الحالي لتواتر هبوب العواصف البالغ مرة كل 100 عام، وستكون هذه الزيادة مصحوبة بارتفاع في منسوب سطح البحر بمقدار متر واحد.

 

ولتقييم تأثير التغيرات المناخية يوجد ما يزيد عن 25 نموذجا رياضيا عالميا، تحاكي مناخ الكرة الأرضية بسيناريوهات انبعاثات مختلفة، بناء على التوقعات المعروفة باسم سيناريوهات الانبعاث العالمية المستندة إلى "التقرير الخاص بشأن سيناريوهات الانبعاثات”. وتوفر نتائج هذه النماذج تقديرات بشأن الطريقة التي يمكن أن تتطور من خلالها المتغيرات المناخية الأساسية في المستقبل على المستويات العالمية أو الإقليمية.

 

وتمثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بداية الالتفات لأهمية التخفيف من الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، حيث صادقت 192 دولة على الاتفاقية، بما فيها الولايات المتحدة، بهدف خفض الانبعاث لمستوى اقل من الانبعاث في سنة 1990، وهو ما يسمي باتفاقية كيوتو. وتتمثل أهداف هذه الاتفاقية المتعلقة بالمناخ في فرض الاستقرار على كمية الغازات الدفيئة في المجال الجوي على مستوى يقي من حدوث تغيرات خطيرة في المناخ تحدث بفعل الإنسان. وتخضع اتفاقية تغيير المناخ لإشراف الأمانة العامة لتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة والتي تتخذ من بون مقراً لها، وتشمل مهام الأمانة متابعة التطورات التي تقع على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في كل دولة.

 

وتتقاطع الآثار المترتبة على تغير المناخ والتدابير الضرورية للتكيف مع عدد من القطاعات، كما تنطوي التحديات على مصفوفة معقدة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية وغيرها من القضايا متشابكة القطاعات. وبدأت الآن العديد من الدول في الدخول في عملية دمج استراتيجياتها للتنمية والمناخ. وتعتبر آلية التنمية النظيفة وتجارة الكربون أحد آليات تلك الاتفاقيات، وإحدى وسائل التخفيف من خلال اتباع أحدث الوسائل والتقنيات في العمليات الصناعية التي تهدف إلى التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتعمل على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون ...الخ. وتعتبر هذه الآلية شهادة للمشروعات المقامة، بحيث يحقق المشروع، لو تم تسجيله، عائدا ماديا للمؤسسة صاحبة المشروع من خلال بيع الكربون بالسعر العالمي في الأسواق العالمية المتخصصة بهذا المجال.

 

ونظرا لأن الوطن العربي ليس بمنأى عن التأثر بهذه الظاهرة، والتي أصبحت تلقي بظلال تأثيراتها على الأوضاع البيئية والمائية، وازدادت وتيرة الكوارث والفيضانات الناتجة عنها، فقد بذلت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم جهوداً بالتعاون مع الجهات العربية والدولية والإقليمية للمساهمة في الحد من آثار ظاهرة التغير المناخي. حيث قامت إدارة العلوم والبحث العلمي بتنفيذ البرامج والمشروعات والأنشطة، بطريقة تشاركية وتعاونية مع الجهات العربية والدولية المعنية من أجل تطوير قدرات العاملين والباحثين العرب في هذا المجال، إضافة إلى المشاركة في الاجتماعات العربية والإقليمية ذات العلاقة، وإصدار المطبوعات والكتب.

 

وفي إطار التعاون بين المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم/إدارة العلوم والبحث العلمي والمركز الجهوي للاستشعار عن بعد لدول شمال إفريقيا، عقدت المنظمة والمركز، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنية الإعلام والاتصال ووزارة البيئة والتنمية المستديمة بموريتانيا، وجامعة نواكشوط العصرية، ورشة عمل حول "مراقبة التغير المناخي وتحديد أنواعه ودلائل ومعدلات الآثار المترتبة على الأحزمة والمناطق الخضراء في الدول العربية" خلال الفترة من 26– 28 مارس 2019، بمدينة نواكشوط بالجمهورية الإسلامية الموريتانية. انعقدت الورشة بحرم جامعة نواكشوط العصرية، وشارك فيها خبراء من الدول العربية التالية: ليبيا، تونس، الأردن، مصر، وموريتانيا، بالإضافة إلى عدد من الخبراء الموريتانيين وطلبة الدراسات العليا والمهتمين.